كذلك؛ فقال بعضهم في نفوسهم بإلقاء الشيطان إليهم: نزعم أنا أولياء الله وفينا رسول وحالنا هذه والمشركون على الماء. فأنزل الله المطر ليلة بدر السابعة عشرة من رمضان حتى سالت الأودية؛ فشربوا وتطهروا وسقوا الظهر وتلبدت السبخة التي كانت بينهم وبين المشركين حتى ثبتت فيها أقدام المسلمين وقت القتال. وقد قيل: إن هذه الأحوال كانت قبل وصولهم إلى بدر؛ وهو أصح، وهو الذي ذكره ابن إسحاق في سيرته وغيره. وهذا اختصاره: قال ابن عباس لما أخبر رسول الله ﷺ بأبي سفيان أنه مقبل من الشأم ندب المسلمين إليهم وقال: "هذه عير قريش فيها الأموال فأخرجوا إليهم لعل الله أن ينفلكموها" قال: فانبعث معه من خف؛ وثقل قوم وكرهوا الخروج، وأسرع رسول الله ﷺ لا يلوي على من تعذر، ولا ينتظر من غاب ظهره، فسار في ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه من مهاجري وأنصاري.
وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: كان المهاجرون يوم بدر نيفا وثمانين، وكان الأنصار نيفا وأربعين ومائتين. وخرج أيضا عنه قال: كنا نتحدث أن أصحاب محمد ﷺ كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوز معه إلا مؤمن. وذكر البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري قال: فخرجنا - يعني إلى بدر - فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله ﷺ أن نتعاد، ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأخبرنا النبي ﷺ بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله وقال: "عدة أصحاب طالوت ". قال ابن إسحاق: وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله ﷺ لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أموال الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا رسول الله ﷺ قد استنفر لكم الناس؛ فحذر عند ذلك واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشا