إلى يوم الزحف الذي يتضمنه قوله تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمُ﴾. وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ. والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب وذهاب اليوم بما فيه. وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأكثر العلماء. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "اجتنبوا السبع الموبقات - وفيه - والتولي يوم الزحف" وهذا نص في المسألة. وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا. وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف عن الكثرة؛ على ما يأتي بيانه.
الرابعة: قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فر من الزحف، ولا يجوز لهم الفرار وإن فر إمامهم؛ لقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ الآية. قال: ويجوز الفرار من أكثر من ضعفهم، وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا؛ فإن بلغ اثني عشر ألفا لم يحل لهم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" فإن أكثر أهل العلم خصصوا هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية.
قلت: رواه أبو بشر وأبو سلمة العاملي، وهو الحكم بن عبدالله بن خطاف وهو متروك. قالا: حدثنا الزهري عن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ قال: "يا أكثم بن الجون اغز مع غير قومك يحسن خلقك وتكرم على رفقائك. يا أكثم بن الجون خير الرفقاء أربعة وخير الطلائع أربعون وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة". وروي عن مالك ما يدل على ذلك من مذهبه وهو قوله للعمري العابد إذ سأله هل لك سعة في ترك مجاهدة من غير الأحكام وبدلها ؟ فقال: إن كان معك اثنا عشر ألفا فلا سعة لك في ذلك.