قد يجمع الناس. قال: "نعم، فيهم المستبصر والمحبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله تعالى على نياتهم". فإن قيل: فقد قال الله تعالى ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]. ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: ٣٨]. ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]. وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب. فالجواب أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره؛ فإذا سكت عليه فكلهم عاص. هذا بفعله وهذا برضاه. وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل؛ فانتظم في العقوبة؛ قال ابن العربي. وهو مضمون الأحاديث كما ذكرنا. ومقصود الآية: واتقوا فتنة تتعدى الظالم، فتصيب الصالح والطالح.
الثانية: واختلف النحاة في دخول النون في ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾. قال الفراء: هو بمنزلة قولك: انزل عن الدابة لا تطرحنك؛ فهو جواب الأمر بلفظ النهي؛ أي إن تنزل عنها لا تطرحنك. ومثله قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ [النمل: ١٨]. أي إن تدخلوا لا يحطمنكم؛ فدخلت النون لما فيه من معنى الجزاء. وقيل: لأنه خرج مخرج القسم، والنون لا تدخل إلا على فعل النهي أو جواب القسم. وقال أبو العباس المبرد: إنه نهي بعد أمر، والمعنى النهي للظالمين؛ أي لا تقربن الظلم. وحكى سيبويه: لا أرينك ههنا؛ أي لا تكن ههنا؛ فإنه من كان ههنا رأيته. وقال الجرجاني: المعنى اتقوا فتنة تصيب الذين ظلموا خاصة. فقوله ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ نهي في موضع وصف النكرة؛ وتأويله الإخبار بإصابتها الذين ظلموا. وقرأ علي وزيد بن ثابت وأبي وابن مسعود ﴿لتصيبن﴾ بلا ألف. قال المهدوي: من قرأ ﴿لتصيبن﴾ جاز أن يكون مقصورا من ﴿لا تصيبن﴾ حذفت الألف كما حذفت من ﴿ما﴾ وهي أخت ﴿لا﴾ في نحو أم والله لأفعلن، وشبهه. ويجوز أن تكون مخالفة لقراءة الجماعة؛ فيكون المعنى أنها تصيب الظالم خاصة.