قوله تعالى: ﴿زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت وجود البارئ تعالى فقالت: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠] في أصح الوجوه. وأنكرت البعث فقالت: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨]. وأنكرت بعثة الرسل فقالوا: ﴿فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ﴾ [القمر: ٢٤]. وزعمت أن التحليل والتحريم إليها، فابتدعته من ذاتها مقتفية لشهواتها فأحلت ما حرم الله. ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ فيه ثلاث قراءات. قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو ﴿يَضِل﴾ وقرأ الكوفيون ﴿يُضَل﴾ على الفعل المجهول. وقرأ الحسن وأبو رجاء ﴿يُضِل﴾ والقراءات الثلاث كل واحدة منها تؤدي عن معنى، إلا أن القراءة الثالثة حذف منها المفعول. والتقدير: ويضل به الذين كفروا من يقبل منهم. و﴿الَّذِينَ﴾ في محل رفع. ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى الله عز وجل. التقدير: يضل الله به الذين كفروا، كقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ٢٧]، وكقوله في آخر الآية: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. والقراءة الثانية ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني المحسوب لهم، واختار هذه القراءة أبو عبيد، لقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾. والقراءة الأولى اختارها أبو حاتم؛ لأنهم كانوا ضالين به أي بالنسيء لأنهم كانوا يحسبونه فيضلون به. والهاء في ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ ترجع إلى النسيء. وروي عن أبي رجاء ﴿يَضَل﴾ بفتح الياء والضاد. وهي لغة، يقال: ضللت أضل، وضللت أضل.﴿لِيُوَاطِئُوا﴾ نصب بلام كي أي ليوافقوا. تواطأ القوم على كذا أي اجتمعوا عليه، أي لم يحلوا شهرا إلا حرموا شهرا لتبقى الأشهر الحرم أربعة. وهذا هو الصحيح، لا ما يذكر أنهم جعلوا الأشهر خمسة. قال قتادة: إنهم عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم، وقرنوه بالمحرم في التحريم، وقاله عنه قطرب والطبري. وعليه يكون النسيء بمعنى الزيادة. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon