وقرأ الأعمش ﴿تَثَاقَلْتُمْ﴾ على الأصل. حكاه المهدوي. وكانت تبوك - ودعا الناس إليها - في حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلال - كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي - فاستولى على الناس الكسل فتقاعدوا وتثاقلوا فوبخهم الله بقوله هذا وعاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة. ومعنى: ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ أي بدلا، التقدير: أرضيتم بنعيم الدنيا بدلا من نعيم الآخرة فـ﴿مِنَ﴾ تتضمن معنى البدل، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ [الزخرف: ٦٠] أي بدلا منكم. وقال الشاعر:

فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طَهيان
ويروى من ماء حمنان. أراد: ليت لنا بدلا من ماء زمزم شربة مبردة. والطهيان: عود ينصب في ناحية الدار للهواء، يعلق عليه الماء حتى يبرد. عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة، إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا. قال ﷺ لعائشة وقد طافت راكبة: " أجْرُك على قدر نَصَبِك". خرجه البخاري.
الآية: ٣٩ ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
فيه مسألة واحدة:
قوله تعالى: ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾ ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا﴾ شرط، فلذلك حذفت منه النون. والجواب ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾، ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفير. قال ابن العربي: ومن محققات الأصول أن الأمر إذا ورد فليس في وروده أكثر من اقتضاء الفعل. فأما العقاب عند الترك فلا يؤخذ من نفس الأمر ولا يقتضيه


الصفحة التالية
Icon