قلت: والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان. قال محمد بن كعب القرظي: لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا، يقول الله عز وجل: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ [آل عمران: ٤١]. ولرخص للرجل يكون في الحرب، يقول الله عز وجل: ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً﴾. وقال قتادة: افترض الله جل وعز ذكره على عباده، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف. وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا، لأن رفع الصوت في مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحدا. فأما إذا كان من الجميع عند الحملة فحسن، لأنه يفت في أعضاد العدو. وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون الصوت عند القتال. وروى أبو بردة عن أبيه عن النبي ﷺ مثل ذلك. قال ابن عباس: يكره التلثم عند القتال. قال ابن عطية: وبهذا والله أعلم استن المرابطون بطرحه عند القتال على صيانتهم به.
الآية: ٤٦ ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا﴾ هذا استمرار على الوصية لهم، والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أم بدر وتنازعهم. ﴿فَتَفْشَلُوا﴾ نصب بالفاء في جواب النهي. ولا يجيز سيبويه حذف الفاء والجزم وأجازه الكسائي. وقرئ ﴿تَفْشِلوا﴾ بكسر الشين. وهو غير معروف. ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ أي قوتكم ونصركم، كما تقول: الريح لفلان، إذا كان غالبا في الأمر قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنم... فإن لكل خافقة سكون


الصفحة التالية
Icon