قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي من يدب على وجه الأرض في علم الله وحكمه.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ نظيره ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢]. ثم وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ أي لا يخافون الانتقال. "ومن" في قوله "منهم" للتبعيض، لأن العهد إنما يجري مع أشرافهم ثم ينقصونه. والمعني بهم قريظة والنضير، في قول مجاهد وغيره. نقضوا العهد فأعانوا مشركي مكة بالسلاح، ثم اعتذروا فقالوا: نسينا، فعاهدهم عليه السلام ثانية فنقضوا يوم الخندق.
الآية: ٥٧ ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ شرط وجوابه. ودخلت النون توكيدا لما دخلت ما، هذا قول البصريين. وقال الكوفيون: تدخل النون الثقيلة والخفيفة مع ﴿إِمَّا﴾ في المجازاة للفرق بين المجازاة والتخيير. ومعنى ﴿تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ تأسرهم وتجعلهم في ثقاف، أو تلقاهم بحال ضعف، تقدر عليهم فيها وتغلبهم. وهذا لازم من اللفظ؛ لقول: ﴿فِي الْحَرْبِ﴾. وقال بعض الناس: تصادفنهم وتلقاهم. يقال: ثقفته أثقفه ثقفا، أي وجدته. وفلان ثقف لقف أي سريع الوجود لما يحاوله ويطلبه. وثقف لقف. وامرأة ثقاف. والقول الأول أولى؛ لارتباطه بالآية كما بينا. والمصادف قد يغلب فيمكن التشريد به، وقد لا يغلب. والثقاف في اللغة: ما يشد به القناة ونحوها. ومنه قول النابغة:
تدعو قعينا وقد عض الحديد بها | عض الثقاف على صم الأنابيب |