في مقالتنا ويقطع يأسه؛ فقال يهوذا: والله لئن فعلتم لأكونن لكم عدوا ما بقيت، ولأخبرن أباكم بسوء صنيعكم؛ قالوا: فإذا منعتا من هذا فتعالوا نصطد له ذئبا، قال: فاصطادوا ذئبا ولطخوه بالدم، وأوثقوه بالحبال، ثم جاؤوا به يعقوب وقالوا: يا أبانا! إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها، ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا نشك فيه، وهذا دمه عليه، فقال يعقوب: اطلقوه؛ فأطلقوه، وتبصبص له الذئب؛ فأقبل يدنو منه ويعقوب يقول له: ادن ادن؛ حتى ألصق خده بخده فقال له يعقوب: أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويلا؟! ثم قال اللهم أنطقه، فأنطقه الله تعالى فقال: والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه، ولا مزقت جلده، ولا نتفت شعرة من شعراته، والله! ما لي بولدك عهد، وإنما أنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخ لي فُقد، فلا أدري أحي هو أم ميت، فاصطادني أولادك وأوثقوني، وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش، وتالله لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش؛ فأطلقه يعقوب وقال: والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم؛ هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه، وأنتم ضيعتم أخاكم، وقد علمت أن الذئب بريء مما جئتم به. ﴿بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ أي زينت لكم. ﴿أَنْفُسُكُمْ أَمْراً﴾ غير ما تصفون وتذكرون.
قوله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ وهي:
الثالثة : قال الزجاج: أي فشأني والذي اعتقده صبر جميل. وقال قطرب: أي فصبري صبر جميل. وقيل: أي فصبر جميل أولى بي؛ فهو مبتدأ وخبره محذوف. ويروى أن النبي ﷺ سئل عن الصبر الجميل فقال: "هو الذي لا شكوى معه". وسيأتي له مزيد بيان آخر السورة إن شاء الله. قال أبو حاتم: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف "فصبرا جميلا" قال: وكذا قرأ الأشهب العقيلي؛ قال وكذا. في مصحف أنس وأبي صالح. قال المبرد: "فصبر جميل" بالرفع أولى من النصب؛ لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل؛ قال: وإنما النصب على المصدر، أي فلأصبرن صبرا جميلا؛


الصفحة التالية
Icon