مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به؛ وقد تقدم في "آل عمران" وغيره. ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾ أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ. ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ قال ابن عباس: كان حصورا لا يولد له، وكذا قال ابن إسحاق: كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له. فإن قيل: كيف قال ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ وهو ملكه، والولدية مع العبدية تتناقض؟ قيل له: يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني؛ وكان التبني في الأمم معلوما عندهم، وكذلك كان في أول الإسلام، على ما يأتي بيانه في "الأحزاب" إن شاء الله تعالى. وقال عبدالله بن مسعود: أحسن الناس فراسة ثلاثة؛ العزيز حين تفرس في يوسف فقال: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ وبنت شعيب حين قالت لأبيها في موسى ﴿اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦]، وأبو بكر حين استخلف عمر. قال ابن العربي: عجبا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [الحجر] وليس كذلك فيما نقلوه؛ لأن الصديق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال، والمواظبة على الصحبة وطولها، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة، وليس ذلك من طريق الفراسة؛ وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في "القصص". وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة؛ لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة. والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ الكاف في موضع نصب؛ أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجب فكذلك مكنا له؛ أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه. ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أي فعلنا ذلك تصديقا لقول يعقوب: ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾. وقيل: المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا، ونعلمه تأويله. وتفسيره، وتأويل الرؤيا، وتم الكلام. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ الهاء راجعة إلى الله تعالى؛ أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر


الصفحة التالية
Icon