في الماء، إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن؛ فصرن سودا مغبرات؛ فانتبهت مذعورا أيها الملك؛ فقال الملك: والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجبا بأعجب مما سمعت منك! فما ترى في رؤياي أيها الصديق؟ فقال يوسف: أرى أن تجمع الطعام، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة؛ فإنك لو زرعت على حجر أو مدر لنبت، وأظهر الله فيه النماء والبركة، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبني له المخازن العظام؛ فيكون القصب والسنبل علفا للدواب، وحبه للناس، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهرائك الخمس؛ فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك؛ فقال الملك: ومن لي بتدبير هذه الأمور؟ ولو جمعت أهل مصر جميعا ما أطاقوا، ولم يكونوا فيه أمناء؛ فقال يوسف عليه السلام عند ذلك: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] أي على خزائن أرضك؛ وهي جمع خزانة؛ ودخلت الألف واللام عوضا من الإضافة، كقول النابغة:

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير كواذب
قوله تعالى: ﴿أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ جزم لأنه جواب الأمر؛ وهذا يدل على أن قوله: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ جرى في السجن. ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر: ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ [يوسف: ٥٠] تأكيدا "استخلصه لنفسي" أي اجعله خالصا لنفسي، أفوض إليه أمر مملكتي؛ فذهبوا فجاؤوا به؛ ودل على هذا قوله: ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ أي كلم الملك يوسف، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف؛ "قال إنك اليوم لدينا مكين" "قال" الملك: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أي متمكن نافذ القول، "أمين" لا تخاف غدرا.
الآية: ٥٥ ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾


الصفحة التالية
Icon