هي عليه؛ فليست فيها استعارة ولا مجاز ولا كناية ولا شيء من مثل هذا يصح في الجواز أو فيما يسعه الإمكان أن يصلح غيره في موضعه إذا تبدلته منه، فضلاً عن أن يفي به، وفضلاً عن أن يربى عليه،
ولو أدرتَ اللغة كلها على هذا الموضع.
فكأن البلاغة فيه إنما هي وجه من نظم حروفه بخلاف ما أنت واجد من كلام البلغاء، فإن بلاغته إنما تصنع لموضعها وتُبنى عليه، فربما وَفَت وربما أخلفت، ولو هي رفعت من نظم الكلام ثم نزل غيرها في مكأنها لرأيت النظم نفسه غير مختلف، بل لكان عسى أن يصح ويجود في
مواضع كثيرة من كلامهم، وأن نعرف له بذلك مزية في توازن حروفه وائتلاف مخارجها وتناسب أصواتها، ونحو هذا مما هو أصل الفصاحة، ومما لا تغني فيه استعارة ولا مجاز ولا كناية ولا غيرها.
لأنه وجه من تأليف الحروف ونسق اللفظ فيها؛ وأنواع البلاغة إنما هي وجوه التأليف بين معاني الكلمات.
فالحرف الواحد من القرآن محجز في موضعه، لأنه يمسك الكلمة التي هو فيها ليمسك بها الآية والآيات الكثيرة، وهذا هو السر في إعجاز جملته إعجازاً أبدياً، فهو أمر فوق الطبيعة الإنسانية، وفوق ما يتسبب إليه الإنسان إذ هو يشبه الخلق الحي تمام المشابهة، وما أنزله إلا الذي
يعلم "السر" في السموات والأرض.
فأنت الآن تحلم أن سر الإعجاز هو في النظم، وأن لهذا النظم ما بعده؛ وقد علمت أن جهات النظم ثلاث: في الحروف، والكلمات، والجُمل، فههنا ثلاثة فصول تعرفها فيما يلي:
***


الصفحة التالية
Icon