الحروف على أصول مضبوطة من بلاغة النغم، بالهمس والجهر والقلقلة والصفير والمد والغنة
ونحوها، ثم اختلاف ذلك في الآيات بسطاً وإيجازاً، وابتداء ورداً، وإفراداً وتكريراً.
هذا على أنه ترسيل واتساق وتطويل، لا يُضبط بحركات وسكنات كأوزان الشعر فتجعل له بطبيعتها صفة من النظم الموسيقي؛ ولا يخرج على مقاطع الكلمات التي تجري فيها الألحان وضروب النغم، مما يسهل تأليفه ويكون أمره إلى الصوت وطريقة تصريفه وتوقيعه، لا إلى
أصوات الحروف ووجه تأليفها وتتابعها فيحسن مع أهل الصناعة وإن كانت حروفه غثة التركيب سمجة المخارج وكانت جافية كزة.
حتى إذا صار إلى من لا يحسن أن يوقع عليه الصوت ويطرَد
له اللحن من غير حُذاق المغنين، خرج أبرد كلام وأرذله وأسمجه، وجاء وما تعرف من الكلال والفتور والتهالك في كلام أكثر مما تعرف منه.
وبهذا الذي قدمناه يُفسر قوله - ﷺ -:
" القرآن صَعب مُستصعب على من كرهه ".
لأن كرهه لا يكون إلا زعماً وتكلفاً من اللسان؛ فأيما. امرؤ سمعه أو فهمه أحبه وسوغه من شعوره ونفسه؛
فمن أين تدخل الكراهة على النفس ولا سبيل إليها في الكلام إلى السمع والفؤاد؛
ولا يذهبن عنك أن الحروف لم تكن في القرآن على ما وصفنا بأنفسها دون حركاتها الصرفية والنحوية، وليست هذه الحركات إلا مظاهر الكلم فمن ههنا يستجر لنا القول في النوع الثاني من سر الإعجاز...
***