منه، إلا أن يكون من باب الصنعة والتكلف الذي يتلوم الأدباء على صنعه ويذهبون فيه المذاهب الكثيرة من النظر والأعداد والتنقيح ونحوها، ثم لا يعطيه معنى البلاغة مع كل هذا العنت إلا اصطلاحهم أنفسهم على أنه من البلاغة.
ولسنا نقول إن القرآن جاء بالاستعارة لأنها استعارة أو بالمجاز لأنه مجاز، أو بالكناية لأنها كناية، أو ما يطردُ مع هذه الأسماء والمصطلحات إنما أريدَ به وضغ معجر في نسق ألفاظه وارتباط
معانيه على وجوه السياستين من البيان والمنطق، فجرى على أصولهما في أرقى ما تبلغه الفطرة اللغوية على إطلاقها في هذه العربية، فهو يستعير حيث يستعير، ويتجوز حيث يتجوز، ويُطنِبُ
ويُوجز ويؤكد ويعترض ويكرر إلى آخر ما أحصي في البلاغة ومذاهبها؛ لأنه لو خرج عن ذلك لخرج من أن يكون معجزاً في جهة من جهاته ولاستبانَ فيه ثمة نقص يمكن أن يكون في موضعه ما هو أكمل منه وأبلغ في القصد والاستيفاء.
فالعلماء يقولون إن كل ذلك فنونَ من البلاغة وقعَ بها الإعجاز، لأنهم اصطلحوا على هذه التسمية التي حدثت بعد العرب، ولو قالوا إن القرآن معجز في العربية لأن الفطرة والعقل لا يبلغان
مبلغه في سياستي البيان والمنطق بهذه اللغة، لكان ذلك أصوب في الحقيقة، وأبلغ في حقيقة الصواب، وأمكن في معنى الإعجاز، وأتم في هذا الباب كله، ما دام في لسان الدهر حرف من العربية.
واعلم أنه ليس من شيء يحقق إعجازَ القرآن من هذه الجهة، ويكشف منه عن أصول


الصفحة التالية
Icon