أكثر ذلك إنما تتسع في شيء موجود ولا توجِد معدوماً؛ فلم يعرف لأحد من بلغائهم وضحع بعينه يكون هو انفرد به وأحدثه في اللغة ويكون العرب قد تابعوه عليه، إلا ما ندر لا يعد شيئاً؛
بخلاف المأثور عنه - ﷺ - في مثل ذلك، فهو كثير تعد منه الأسماء والمصطلحات الشرعية مما لم يرد في القرآن الكريم؛ ومنه ألفاظ كان العربُ أنفسهم يسألونه عنها ويعجبون لانفراده بها وهم
عربٌ مثله؛ كما عجبوا لفصاحته التي اختص بها ولم يخرج من بين أظهرهم، كما روي من أنه - ﷺ - قال لأبي تَميمة الهُجَيمي: " إياك والمخيلةَ " فقال: يا رسول الله، نحن قوم عرب؛ فما المخيلة؟
فقال عليه الصلاة والسلام: ، سَبلُ الإزار "
ومرت الكلمة بعد ذلك على هذا الوضع، يراد بها الكبر ونحوه.
وكثيراً ما كان يسأل أصحابه عن مثل هذا فيوضحه لهم، ويسددهم إلى موقعه؛ واستمر عصره على ذلك، وهو العصر الذي جمعت فيه اللغةُ واستفاضت، وامتنع العربُ عن الزيادة فيها
بعد أن سمعوا القرآن الكريم وراعتهم أسرار تركيبه؛ فلم يكن يومئذ من يتجوز ويقتضب ويشتق ويضع غيره - ﷺ -، مع أنه كان لا يتأتى إلى ذلك بالروية، ولا يستعين عليه بالفكر، ولا يجمع
بالنظر؛ إنما هو أن يعرض المعنى فإذا لفظه قد لبسه واحتواه وخرج به على استواء، لا فاضلاً ولا مقصراً، كأنما كان يُلهَم الوضع إلهاماً، وليس ذلك بأعجب من مخاطبته وفود العرب بما كان لهم من اللغات والأوضاع الغريبة التي لا تعرفها قريش من لغتها، ولا تتهدَّى إلى معانيها، ولا يعرفها
بعضُ العرب عن بعض، ثم فَهمه عنهم مثل ذلك على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، حتى قال له علي رضي الله عنه وقد سمعه يخاطب وفدَ بني نهد: يا رسول الله، نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال عليه الصلاة والسلام: " أدبني ربي فأحسنَ تأديبي ".
ومن ذلك كتبه الغريبة التي كان يُمليها ويبعث بها إلى قبائل العرب يخاطبهم فيهم