يدعى خزيمة أيضاً فأثبتها في آخر براءة ولو تمت ثلاث آيات لجعلها سورة على حدة، ثم عرضته
عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئاً، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها
ليرُدنها إليها فأعطته فعرض المصحف عليها فلم يختلف في شيء، فردها إليها وطابت نفسه، وأمر
الناس أن يكتبوا مصاحف، فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمه
فأعطاهم إياهم فغسلت غسلاً.
قلنا: وكلام زيد نص قاطع في أنه كان يحفظ القرآن كله، لم يذهب عنه شيء منه، إذ كان
يعرض ما في الصحف على ما رُبط في صدره وثبت في حفظه، ثم هو نص كذلك على أن زيداً
كان لا يكتفي بنفسه بل يذهب يستعرض الناس حتى يجد من يؤدي إليه، كيلا ينفرد هو بالحفظ خشيةَ أن يكون موضع ظِنة وإن كان الصحابة - رضي الله عنهم - قد أجمعوا على الثقة به، فلم
يثبت ما أثبته إلا بشاهدين: أحدهما من حفظ غيره. والآخر من حفظه.
ثم بعث في كل أفق بمصر من تلك المصاحف، وكانت سبعة - في قول مشهور - فأرسل
منها إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة.
وحبس بالمدينة واحداً، وهو مصحفه الذي يسمى الإمام ثم أمر بما عدا ذلك من صحيفة أو مصحف أن يحرق، ولم يجعل
في عزيمته تلك رخصة سائغة لأحد. وكان جمع عثمان في سنة ٢٥ للهجرة.
وإنما أراد عثمان بذلك حَسم مادة الاختلاف، لأنه أمر يمد مع الزمن وتنشعب الأيام به.
وهو إن أمن في عصره لم يَدْر ما يكون بعد عصره، وقد أدرك أن العرب لا يستمرون عرباً على الاختلاف والفتوح، وأن الألسنة تنتقل، واللغات تختلف. ثم هو رأى ما وقع في الشعر وروايته،
وأن الاختلاف كان باباً إلى الزيادة والابتداع، فلم يفعل شيئاً أكثر من أنه حَصَّن القرآن وأحكم الأسوار حوله، ومنع الزمن أن يتطرق إليه بشيء، وجعله بذلك فوق الزمن.
ولم تكن المصاحف التي كتبت قبل مصحف عثمان على هذا الترتيب المعروف في السور إلى اليوم. فإنما هو ترتيب عثمان أما فيما وراء ذلك فقد رووا أن رسول الله - ﷺ - كان إذا نزلت
سورة دعا بعض من يكتب فقال: ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا، فكان
القرآن مرتب الآيات، غير أنه لم يكن مجموعاً بين دفتين، فلا يؤمن أن يضطرب نَسق مجموعه في أيدي الناس باضطراب القطع التي كتب فيها تقديماً وتأخيراً: ولم يلزم الناس القراءة يومئذ بتوالي
السور، وذلك أن الواحد منهم إذا حفظ سورة أو كتبها ثم خرج في سرية فنزلت سورة أخرى