رسول الله - ﷺ -، فقلت: كذبت، فوالله إن رسول الله - ﷺ - لهو أقرأني هذه السورة. فانطلقت به أقوده
إلى رسول الله - ﷺ - فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان. فقال رسول الله جتَ: " اقرأ يا هشام "، فقرأ عليه القراءة التي
سمعته يقرؤها، فقال: " هكذا نزلت "، ثم قال: " اقرأ يا عمر "، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله لمجم، فقال: " هكذا نزلت "، ثم قال: " إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منها ".
فتأمل قوله " ما تيسر " تصِب منها شرحاً طويلاً، وسنقول في هذه السبعة بعد.
ورووا أن عبد الله بن مسعود لما خرج من الكوفة اجتمع إليه أصحابه فودعهم ثم قال: لا تَنازعوا في القرآن، فإنه لا يختلف ولا يتلاشى ولا ينفَد لكثرة الرد. وإنه شريعةَ الإسلام وحدوده
وفرائضه فيه واحدة، ولو كان شيء من الحرفين ينهَى عن شيء يامر به الآخر كان ذلك الاختلافُ.
ولكنه جامع ذلك كله، لا تختلف فيه الحدود ولا الفرائضُ ولا شيء من شرائع الإسلام، ولقد رأيتُنا نتنازعُ فيه عند رسول الله - ﷺ - فيأمرنا نقرأ عليه فيخبرنا أن كلنا محسن؛ ولو
أعلم أحداً أعلم بما أنزلَ الله على رسوله مني لطلبتُه حتى أزدادَ علمه إلى علمي، ولقد قرأت من لسان رسول الله - ﷺ - سبعين سورةَ، وقد كنت علمتُ أنه يعرضُ عليه القرآن في كل رمضان، حتى
كان عامُ قبِضَ فعُرض عليه مرتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أني مُحسن.
فمن قرأ على قراءتي فلا يدعتَها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعئه رغبة عنه، فإن من
جحد بآية جحد به كلهِ.
هذا حين كان الاختلاف مما تقتضيه الفطرة اللغوية ومذاهبها، فلما انتَفَضت هذه الفطرة، واختبلت الألسنة بعد اتساع الفتوح، وانسياح العرب في الأقطار، ومخالطتهم الأعاجمَ - لمَ يعد
لذلك الاختلاف وجه يتصل بحكمة من الرأي، بل صار كأنه دُرْبةَ لإفساد هذا الأمر واختلاف المادة نفسها على وجه يُنكرُ من حقيقتها بما يضيفُ إليها أو يخلط بها أو يغير منها، وإلى هذا نظر
رسول الله - ﷺ - حين عرض عليه القرآنُ العرضةَ الأخيرة، وما كان يعلم أنها الأخيرة لولا ما علمه
الله، فاختار قراءة زيد بن ثابت صاحب هذه العرضة، وبها كان يقرأ وكان يصلي إلى أن انتقل إلى جوار ربه. ومن ثم اختارها المسلمون بعده وكتبوا القرآن عليها زمن أبي بكر كما مر، ثم تركوا