مُجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثلُه؛ لأن القراءة سنة متبَعة، يلزم قبولُها؛ والمصير إليها
بالإسناد لا بالرأي، ثم يشترط في تلك القراءة أن توافق أحدَ المصاحف العثمانية ولو احتمالا
وأن تكون مع ذلك صحيحة الإسناد، فإن اجتمعت الأركان الثلاثة: موافقة العربية، ورسم المصحف، وصحة السند؛ فتلك هي القراءة الصحيحة، ومتى اختل ركن منها أو أكثر أطلِقَ عليها
أنها ضعيفة أو شاذة أو باطلة؛ ولتجىء بعد ذلك عن كائن من كان.
أما اشتراط موافقة العربية على أي وجوهها، فذلك إطلاق يناسب ما قدمناه من أمر الفطرة
ومن أجله كان صحيحاً أن لا يُعول أئمة القراءة في أمر الجواز على ما هو أفشى في اللغة وأقيس في العربية، دون ما هو أثبتُ في الأثر وأصح في النقل؛ لأن العرب متفاوتون في خلوص اللغة
وقوة المنطق فإن قرأوا فلكل قبيل لهجه.
وأما موافقةُ رسم أحد المصاحف العثمانية، فذلك لما صح عندهم من أن الصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا في الرسل على حسب ما عرفوا من لغات القراءة فكتبوا (الصراط) مثلاً في قول تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦). بالصاد المبدَلة من السين، وعدلوا عن السين التي هي،
الأصل، لتكون قراءة السين (السراط) إن خالفت الرسم من وجه، فقد أتت على الأصل اللغوي
المعروف، فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام محتملة لذلك.
وأما اشتراط صحة الإسناد فهو أمر ظاهر ما دامت القراءة سنة متبعة، وكثيراً ما ينكر بعض أهل العربية قراءة من القراءات؛ لخروجها عن القياس، أو لضعفها في اللغة؛ ولا يحفل أئمةُ
القراءة بإنكارهم شيئاً؛ كقراءة من قرأ (فتوبوا إلى بارئكم) بسكون الهمزة، ونحوها مما أحصوه فى كتبهم. -
وأول من اشتهر من القراء بالشواذ؛ وعُني بجمع ذلك واستقصائه وإظهاره دون الصحيح؛ أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي في أواخر المائة الثانية، فقد جمع قراءة نسبها إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومنها (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وقد أكذبوه في إسناده وجعلوه مثلاً