وتناقضت؛ ثم بقي مع ذلك على فصاحته وخلوصه. لأن هذه الفصاحة هي في الوضع التركيبي، كما أومأنا إليه آنفاً، وتلك سياسة لغوية استدرج بها العرب إلى الإجماع على منطق واحد ليكونوا
جماعة واحدة، كما وقع ذلك من بعد؛ فجرت لغة القرآن على أحرف مختلفات في منطق الكلام، كتحقيق الهمز وتخفيفه، والمد والقَصر، والفتح والإمالة وما بينهما، والإظهار والإدغام؛ وضم
الهاء وكسرها من عليهم وإليهم، وإلحاق الواو فيهما وفي لفظتي منهمو وعنهمو، وإلحاق الياء في، إليه وعليه وفيه، ونحو ذلك، فكان أهل كل لحن يقرأونه بلَحنهم.
وربما استعمل القرآن الكلمة الواحدة على منطق أهل اللغات المختلفة فجاء بها على وجهين، لمناسبة في نظمه: كَبرَاء، وبريء، فإن أهل الحجاز يقولون: أنا منك براء، لا يعدونها، وتميم وساثر العرب يقولون: أنا منك بريء، واللغتان: في القرآن. وكذلك قوله: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ)،
قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) فإن الأولى لغة قريش؛ يقولون: أسريت؛ وغيرهم من العرب يقولون:
سريت، وهذا باب من اللغة لم يقع إلينا مستقصى؛ ولكن علماء الأدب ربما أشاروا إلى بعض ألفاظه في كتبهم، كما تصيب من ذلك في " الكامل للمبرد وغيره.
وبالوجوه التي أومأنا إليها تختلف القراءات على حسب الطرق التي تجيء منها؛ فالناقلون عمن قرأ بلغة قبيلة ينقلون بتلك اللغة في الأكثر، ولذا قيل: إن القراءات السبع متواترة فيما لم يكن من قبيل الأداء أما ما هو من قبيله كالمد والإمالة ونحوها فغير متواتر، وهو الوجه المتقبل.
ولقد أحصى علماء القراءة في كتبهم ما ورد من ألفاظ القرآن على أحد تلك الوجوه، ومن