والذي عندنا في معنى الحديث: أن المراد بالأحرف اللغات التي تختلف بها لهجات العرب، حتى يوسع على كل قوم أن يقرؤوه بلحنهم، وما كان العرب يفهمون من معنى الحرف
في الكلام إلا اللغة، وإنما جعلها سبعة رمزاً إلى ما ألفوه من معنى الكمال في هذا العدد،
وخاصة فيما يتعلق بالإلهيات: كالسموات السبع، والأرضين السبع، والسبعةِ الأيام التي بُرئت فيها
الخليقةُ وأبواب الجنة والجحيم، ونحوها، فهذه حدود تحتوي ما وراءها بالغاً ما بلغ؛ وهذا الرمزُ من ألطف المعاني وأدقها: إذ يجعل القرآن في لغته وتركيبه كأنه حدودٌ وأبوابٌ لكلام العرب
كله، على أنه مع ذلك لا يبلغ منه شيء في المعارضة والخلاف، وإن تمادّ العربُ في ذلك إلى الغاية، إذ هو لغات تنزل من أهلها منزلةَ السموات ممن ينظرونها، والأرضينَ ممن يضربون فيها،
وهلم إلى آخر هذا الباب، فذلك قولهم بأفواههم، وهذا قول الله الذي يكابرون فيه ويطمعون أن يسامِتُوه بأقوالهم، وما لهم منه إلا أن يهتدوا به وينتفعون بما فيه كما ينتفعون بالسماء والأرض دون
أن يكون لهم من أمرهما شيء. ثم أشار أفصح العرب - ﷺ - بظهر كل حرف وبطنه وحده ومطلع كل
حد إلى حقيقة هذا الإعجاز، فإن ظاهر القرآن على أي لغة قرئ بها من لغات العرب إنما هو ظاهر تلك اللغة بعينها، ولكن باطنه صورة السماء في الماء، ومُسميات إلهية لا تنال وإن نيلت
الأسماء، ثم إن لكل لغة في امتزاجها بالقرآن حداً يقف عنده أهلها، وهو الحد الذي تبتدئ منه