صفحة رقم ١٠٦
والقول الثاني : أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً، وهو قول سعيد بن المسيب.
والقول الثالث : أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي، وتأول قوله :) وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ( " [ طه : ١١٥ ] أي فَزَلَّ، ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ.
والرابع : أنه أكل منها على جهة التأويل، فصار عاصياً بإغفال الدليل، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر، ولقوله تعالى في إبليس :) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ( " [ الأعراف : ٢٢ ] وهو ما صرفهما إليه من التأويل.
واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل، على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم.
والثاني : أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ.
والثالث : أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله :) مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ( " [ الأعراف : ٢٣ ].
قوله عز وجل :) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (.
قرأ حمزة وحده :) فَأَزَالَهُمَا ( بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان، إذا تنحَّيْتَ عنه، وقرأ الباقون :) فَأَزَلَّهُمَا ( بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل، وهو الخطأ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق، وأصله الزوال.


الصفحة التالية
Icon