صفحة رقم ٢٠٠
) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يكون الرسول شهيداً على أمته أنْ قد بلّغ إليهم رسالة ربه.
والثاني : أنّ معنى ذلك أنْ يكون شهيداً لهم بإيمانهم، وتكون ( عليهم ) بمعنى ( لهم ).
والثالث : أن معنى قوله :) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيداً ( أي مُحْتَجّاً.
) وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ( أي بيت المقدس، ) إلاّ لِنَعَلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ( فإن قيل : الله أعلم بالأشياء قبل كونها، فكيف جعل تحويل القِبْلة طريقاً إلى علمه ؟ قيل : في قوله :) إلاَّ لِنَعْلَمَ ( أربعة تأويلات :
أحدها : يعني إلا ليعلم رسولي، وحزبي، وأوليائي ؛ لأن من شأن العرب إضافة ما فعله أتْباعُ الرئيس إليه، كما قالوا : فتح عمرُ بنُ الخطاب سوادَ العراق وجبي خَرَاجَهَا.
والثاني : أن قوله تعالى :) إلاَّ لِنَعْلَمَ ( بمعنى : إلا لنرى، والعرب قد تضع العلمَ مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كما قال تعالى ) ألَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ ( " [ الفيل : ١ ] يعني : ألم تعلم.
والثالث : قوله تعالى :) إلاَّ لِنَعْلَمَ ( بمعنى إلا لتعلموا أننا نعلم، فإنّ المنافقين كانوا في شك من علم الله بالأشياء قبل كونها.
والرابع : أن قوله :) إلاَّ لِنَعْلَمَ ( بمعنى إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك، وهذا قول ابن عباس.
قوله تعالى :) مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ ( بمعنى فيما أمر به من استقبال الكعبة ) مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ( بمعنى : ممن يَرْتَدُّ عن دينه، لأن المرتد راجع مُنْقَلِب عما كان عليه، فشبهه بالمُنْقلِب على عقبه، لأن القبلة لمَّا حُوِّلَتْ ارْتَدَّ من المسلمين قَوْمٌ، ونافق قوم، وقالت اليهود : إن محمداً قد اشتاق إلى بلد أبيه، وقالت قريش : إن محمداً قد علم أننا على هدى وسَيُتَابِعُنَا.