صفحة رقم ٥٢
وأما ( الرحمن الرحيم )، فهما اسمان من أسماء الله تعالى، والرحيم فيها اسم مشتق من صفته.
وأما الرحمن ففيه قولان :
أحدهما : أنه اسم عبراني معرب، وليس بعربي، كالفسطاط رومي معرب، والإستبرق فارسي معرب، لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم، لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم، وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم :(... وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } " [ الفرقان : ٦٠ ]، وهذا قول ثعلب واستشهد بقول جرير :
أو تتركون إلى القسّين هجرتكم
ومسحكم صلبهم رحمن قربانا
قال : ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم، ليزول الالتباس، فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته، لكن قدَّم الرحمن لمبالغته.
والقول الثاني : أن الرحمن اسم عربي كالرحيم لامتزاج حروفهما، وقد ظهر ذلك في كلام العرب، وجاءت به أشعارهم، قال الشنفري :
أَلاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَا
أَلاَ ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا
فإذا كانا اسمين عربيين فهما مشتقان من الرحمة، والرحمة هي النعمة على المحتاج، قال الله تعالى :) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } " [ الأنبياء : ١٠٧ ]، يعني نعمةً عليهم، وإنما سميت النعمةُ رحمةً لحدوثها عن الرحمة.
والرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم، لأن الرحمن يتعدى لفظه ومعناه، والرحيم


الصفحة التالية
Icon