صفحة رقم ٣٣٩
أحدهما : ماحكاه ابن عباس : أن أبرهة بن الصباح بنى بيعة بيضاء يقال لها القليس، وكتب إلى النجاشي إني لست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع ذلك رجل من كنانة، فخرج إلى القليس ودخلها ليلاً فأحدث فيها، فبلغ ذلك أبرهة فحلف بالله ليسيرن إلى الكعبة فيهدمها، فجمع الأحابيش وجنّد الأجناد، وسار، ودليله أبو رغال، حتى نزل بالمغمّس، وجعل على مقدمته الأسود بن مقصود حتى سبى سرح مكة وفيه مائتا بعير لعبد المطلب قد قلّد بعضها، وفيه يقول عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف :
لأهمّ أخْزِ الأسود بن مقصودِ
الآخذ الهجمة فيها التقليدْ
بين حراء، وثبير فالبيد
يحبسها وفي أُولات التطريدْ
فضمّها إلى طماطم سُودْ
قد أجْمعوا ألا يكون معبودْ.
ويهْدموا البيت الحرام المعمود
والمروتين والمشاعر السودْ
٨٩ ( اخْفره يا ربِّ وأنت محمودْ ) ٨٩
وتوجه عبد المطلب وكان وسيماً جسيماً لا تأخذه العين إلى أبرهة، وسأله في إبله التي أخذت، فقال أبرهة : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت الآن فيك، قال : ولم ؟ قال : جئت لأهدم بيتاً هو دينك ودين آبائك فلم تكلمني فيه، وكلمتني في مائتي بعير لك، فقال عبد المطلب : الإبل أنا ربها، وللبيت رب سيمنعه، فقال أبرهة : ما كان ليمنعه مني، فقال عبد المطلب : لقد طلبته تبّع وسيف بن ذي يزن وكسرى فلم يقدروا عليه، وأنت ذاك فرد عليه إبله، وخرج عبد المطلب وعاد إلى مكة، فأخبر قريشاً بالتحرز في الجبال، وأتى البيت وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :
لاهمّ إنّ العْبدَ يَمْ
نَعُ رحْلَهُ فامْنَع حَلالَكْ.
لا يَغْلبنّ صَليبُهم
ومحالُهم غَدْواً مِحالكْ.
إنْ كنتَ تاركَهم وقب
لَتَنا فأمْرٌ ما بدا لَكَ.
المحال : القوة.