وقال الحرالي : لما ذكر تعالى مراجعة الملائكة في خلق هذا الخليفة ذكر إبداءه لهم وجه حكمة علية بما أعلى هذا الخليفة من تعليمه إياه حقائق جميع الذوات المشهودة لهم على إحاطتهم بملكوت الله وملكه شهوداً فأراهم إحاطة علم آدم بما شهدوا صورة ولم يشهدوا حقيقة مدلول تسميتها، وعلمه حكمة ما
٨٩
بين تلك الأسماء التي هي حظ من الذوات وبين تسمياتها من النطق ليجتمع في علمه خلق كل شيء صورة وأمره كلمة فيكمل علمه في قبله على سبيل سمعه وبصره، واستخلفه في علم ما له من الخلق والأمر، وذلك في بدء كونه فكيف يحكم حكمة الله فيما يتناهى إليه كمال خلقه إلى خاتمة أمره فيما انتهى إليه أمر محمد ﷺ مما هو مبهم في قوله تعالى :﴿وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً﴾ [النساء : ١١٣] فأبدى الله عز وجل لهم بذلك وجه خلافة علمية وعملية في التسمية إعلاء له عندهم، وقد جعلهم الله عز وجل مذعنين مطيعين فانقادوا للوقت بفضل آدم على جميع الخلق وبدا لهم علم أن الله يعلي من يشاء بما يشاء من خلافة أمره وخلقه، وتلك الأسماء التي هي حظوظ من صور الموجودات هي المعروضة التي شملها اسم الضمير في قوله تعالى ﴿ثم عرضهم﴾ وأشار إليه " هؤلاء " عند كمال عرضهم، وأجرى على الجميع ضمير " هم " لاشتمال تلك الكائنات على العاقلين وغيرهم ؛ وبالتحقيق فكل خلق ناطق حين يستنطقه الحق، كما قال تعالى ﴿اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم﴾ [يس : ٦٥] وإنما العجمة والجمادية بالإضافة إلى ما بين بعض الخلق وبعضهم - انتهى.