وقد أشبع الكلام في المسألة شيخنا حافظ عصره أبو الفضل بن حجر في آخر شرحه للبخاري، وآخر ما حط عليه التفرقة بين من رسخ قدمه في العلوم الشرعية - فيجوز له النظر في ذلك فإنه يستخرج منه ما ينتفع به المهتدون - وبين غيره فلا يجوز له ذلك، وأيده بنظر الأئمة فيهما قديماً وحديثاً والرد على أهل الكتابين بما يستخرجونه منهما ؛ فلولا جواز ذلك ما أقدموا عليه - والله الموفق وقد حررت المسألة في فن المرفوع من حاشيتي على شرح ألفية الشيخ زين الدين العراقي فراجعه إن شئت - والله الهادي ؛ ثم صنفت في
١٠١
ذلك تصنيفاً حسناً سميته " الأقوال القويمة في حكم النقل من الكتب القديمة ".
تنبيه : اعلم أن التوراة ثلاث نسخ مختلفة اللفظ متقاربة المعنى إلا يسيراً : إحداها تسمى توراة السبعين، وهي التي اتفق عليها اثنان وسبعون حبراً من أحبارهم ؛ وذلك أن بعض اليونان من ملوك مصر سأل بعض ملوك اليهود ببيت المقدس أن يرسل إليه عدداً من حفاظ التوراة، فأرسل إليه اثنين وسبعين حبراً، فأخلى كل اثنين منهم في بيت ووكل بهم كتّاباً وتراجمة، فكتبوا التوراة بلسان اليونان، ثم قابل بين نسخهم الستة والثلاثين فكانت مختلفة اللفظ متحدة المعنى، فعلم أنهم صدقوا ونصحوا، وهذه النسخة ترجمت بعد بالسرياني ثم بالعربي وهي في أيدي النصارى ؛ والنسخة الثانية نسخة اليهود من الربانيين والقائين، والنسخة الثالثة نسخة السامرة ؛ وقد نبه على مثل ذلك الإمام السمرقندي في الصحائف واستشهد بكثير من نصوص التوراة على كثير من مسائل أصول الدين، وكذا الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد والقاضي عياض في كتاب الشفاء وغيرهم.
ثم اعلم أن أكثر ما ذكرته في كتابي هذا من نسخة وقعت لي لم أدر اسم مترجمها.