ومشى البيضاوي على أن الأمر بالسجود كان بعد الإنباء بالأسماء ولم يذكر دليلاً يصرف عن هذا الظاهر على أن المشي عليه أولى من جهة المعنى، لأن سجود الملائكة عليهم السلام قبل يكون إيماناً بالغيب على قاعدة التكاليف، وأما بعد إظهار فضيلة العلم فقد كُشِف الغطاء وصار وجه الفضل من باب عين اليقين ؛ وأما الترتيب في الذكر هنا على هذا الوجه وهو جعل السجود بعد الإنباء فهو لنكتة بديعة وهي أنه تعالى لما كان في بيان النعم التي أوجبت شكره باختصاصه بالعبادة لكونه منعماً فبين أولاً نعمته على كل نفس في خاصتها بخلقها وإفاضة الرزق عليها.
ثم ذكر الكل بنعمة تشملهم وهي محاجّته لأقرب خلقه إذ ذاك إليه عن أبينا آدم قبل إيجاده اقتضى الأسلوب الحكيم أن يوضح لهم الحجة في فضيلة هذا الخليفة فذكر ما آتاه من العلم، فلما فرغ من محاجتهم بما أوجب إذعانهم ذكر بنيه بنعمة السجود له، فما كان تقديم إظهار فضيلة العلم إلا محافظة على حسن السياق في ترتيب الدليل على أقوم منهاج وأوضح سبيل.
ولما فرغ من نعمة التفضيل في الصفات الذاتية بين النعمة بشرف المسكن مع تسخير زوج من الجنس لكمال الأنس وما يتبع ذلك فقال تعالى.


الصفحة التالية
Icon