ومعناه رفعة القدر والعلو، فمما أعلاه الله به أن قدم له بين يدي دعوته علم طيّة أمره ومكنون علمه تعالى في سر التقدير الذي لم يزل خبأ في كل كتاب، فأعلمه بأنه تعالى جبل المدعوين الذين هم بصفة النوس مترددين بين الاستغراق في أحوال أنفسهم وبين مرجع إلى ذكر ربهم على ثلاثة أضرب : منهم من فُطِر على الإيمان ولم يطبع عليه أي على قلبه فهو مجيب ولا بد، ومنهم من طبع على الكفر فهو آب ولا بد، ومنهم من ردد بين طرفي الإيمان ظاهراً والكفر باطناً، وإن كلاً ميسر لما خلق له ؛ فكان بذلك انشراح صدره في حال دعوته وزال به ضيق صدره الذي شارك به الأنبياء - بالهمز، ثم علا بعد ذلك إلى مستحق رتبته العلية، فكان أول ما افتتح له كتابه أن عرفه معنى ما تضمنته ﴿الم﴾ ثم فصل من ذلك ثلاثة أحوال المدعوين بهذا الكتاب، وحينئذ شرع في تلقينه الدعوة العامة للناس، فافتتح بعد ذلك الدعوة والنداء والدعوة إلى العبادة يعني بهذه الآية، وتولى الله سبحانه دعوة الخلق في هذه الدعوة العامة التي هي جامعة لكل دعوة في القرآن.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧