بسلطانه العلي أجراها باسم الربوبية وهو اسم أقرب مثالاً على النفوس، لأنها تشاهد آياته بمعنى التربية والربابة، ومع ذلك أيضاً فذكر اسم الله في دعوة المرسلين غير متبع ولا موصوف بآيات الإلهية، ولو ذكر لما قرب مثالاً علمها فهي كالشمس والقمر ونحو ذلك، وذكر تعالى الربوبية في هذه الدعوة متبعة بآياتها الظاهرة التي لا تفوت العقل والحس ولا يمكن إنكارها، ووجه بعد النفوس عن الانقياد عند الدعوة باسم الله أن آيات الربوبية التي يسهل عليها الانقياد من جهتها التي بيسير منها تنقاد للملوك وأولي الإحسان، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها تبقى عند الدعوة باسم الله بمعزل عن الشعور بإضافتها لاسم الله ويحار العقل في المتوجه له بالعبادة، وتضيف النفوس الغافلة آيات الربوبية إلى ما تشاهده من أقرب الأسباب في العوائد، كالفصول التي نيطت الموالد والأقوات بها في مقتضى حكمة الله سبحانه أو إلى أسباب هذه الأسباب كالنجوم ونحو ذلك، فلا يلتئم للمدعو حال قوامه بعبادته فيكثر التوقف والإباء، واقتضى اليسر الذي أراد الله بهذه الأمة ذكر الربوبية منوطاً بآياتها - انتهى.
ولما كانت العبادة المختلّة بشرك أو غيره ساقطة والازدياد من الصحيحة والاستمرار عليها عبادة جديدة يحسن الأمر بها خاطب الفريقين فقال :﴿اعبدوا ربكم﴾ أي الذي لا رب لكم غيره عبادة هي بحيث يقبلها الغني.
ثم وصفه بما أشارت إليه صفة الرب من الإحسان تنبيهاً على وجوده ووجوب العبادة له بوجوب شكر المنعم فقال :﴿الذي خلقكم﴾، قا لالحرالي :﴿الذي﴾ اسم مبهم مدلوله ذات موصوف بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة له، والخلق تقدير أمشاج ما يراد إظهاره بعد الامتزاج والتركيب صورة ﴿والذين من قبلكم﴾ القبل ما إذا عاد المتوجه إلى مبدأ وجهته أقبل عليه - انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧


الصفحة التالية
Icon