ورتبت هذه النعم الدالة على الخالق الداعية إلى شكره أحكم ترتيب، قدم الإنسان لأنه أعرف بنفسه والنعمة عليه أدعى إلى الشكر، وثنى بمن قبله لأنه أعرف بنوعه، وثلث بالأرض لأنها مسكنه الذي لا بد له منه، وربع بالسماء لأنها سقفه، وخمس بالماء لأنه كالأثر والمنفعة الخارجة منها وما يخرج بسببه من الرزق كالنسل المتولد بينهما فقال :﴿وأنزل﴾ قال الحرالي : من الإنزال وهو الإهواء بالأمر من علو إلى سفل - انتهى.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧
من السماء﴾ أي بإثارتها الرياح المثيرة للسحاب الحامل للماء ﴿ماء﴾ أي جسماً لطيفاً يبرد غلة العطش، به حياة كل نام.
قال الحرالي : وهو أول ظاهر للعين من أشباح الخلق ﴿فاخرج﴾ من الإخراج وهو إظهار من حجاب، وفي سوقه بالفاء تحقيق للتسبيب في الماء - انتهى.
٥٦
وأتي بجمع القلة في الثمر ونكر الرزق مع المشاهدة لأنهما بالغان في الكثرة إلى حد لا يحصى تحقيراً لهما في جنب قدرته إجلالاً له فقال :﴿به من الثمرات رزقاً﴾ وإخراج الأشياء في حجاب الأسباب أوفق بالتكليف بالإيمان بالغيب، لأنه كما قيل : لولا الأسباب لما ارتاب المرتاب، والثمر كما قال الحرالي : مطعومات النجم والشجر وهي عليها، وعُبر بِمن لأن ليس كل الثمرات رزقاً لما يكون عليه وفيه من العصف والقشر والنوى، وليس أيضاً من كل الثمرات رزق فمنه ما هو للمداواة ومنه سموم وغير ذلك.
وفي قوله :﴿لكم﴾ إشعار بأن في الرزق تكملة لذواتهم ومصيراً إلى أن يعود بالجزاء منهم.