ولما كان حرف المحكم مستحق العبد في حق الرب في فطرته التي فطر عليها كان ثابتاً في كل ملة وفي كل شرعة فكانت آياته لذلك هن أم الكتاب المشتمل على الأحرف الأربعة، لتبدلها وتناسخها وتناسبها في الشرع والملل واختلافها على مذاهب الأئمة في الملة الجامعة، مع اتفاق الملل في الحرف المحكم فهو أمها وقيامها الثابت حال تبدلها وهو حرف الهدى الذي يهدي به الله من يشاء، وقرأته العملة به هم المهتدون أهل السنة والجماعة، كما أن المتبعين لحرف المتشابه هم المتفرقون في الملل وهم أهل البدع والأهواء المشتغلون بما لا يعنيهم، وبهذا الحرف المتشابه يضل الله من يشاء ؛ فحرف المحكم للاجتماع والهدى، وحرف المتشابه للافتراق والضلال ﴿والله يقول الحق وهو يهدي السبيل﴾ [الأحزاب : ٤].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧
ثم قال : اعلم أن قراءة الأحرف الماضية الأربعة هو حظ العامة من الأمة العاملين لربهم على الجزاء المقارضين له على المضاعفة، وقراءة هذا الحرف تماماً هو حظ المتحققين بالعبودية المتعبدين بالأحوال الصادقة المشفقين من وهم المعاملة، لشعورهم أن العبد لسيده مصرّف فيما شاء وكيف شاء، ليس له في نفسه حق ولا حكم، ولا حجة له على سيده فيما اقامه فيه من صورة سعادة أو شقاوة ﴿في أيّ صورة ما شاء ركبك﴾ [الانفطار : ٨] ﴿على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون﴾ [الواقعة : ٦٣].


الصفحة التالية
Icon