وأشار هنا أيضاً إلى عظمته وعظمة المنزل عليه بالنون التفاتاً من الغيبة إلى التكلم فقال :﴿مما نزلنا﴾ قال الحرالي : من التنزيل وهو التقريب للفهم بتفصيل وترجمة ونحو ذلك - انتهى.
﴿وعلى عبدنا﴾ أي الخالص لنا الذي لم يتعبد لغيرنا قط، فلذلك استحق الاختصاص دون عظماء القريتين وغيرهم، فارتبتم في أنه كلامنا نزل بأمرنا وزعمتم أن عبدنا محمداً أتى به من عنده لتوهمكم أن فيما سمعتم من الكلام شيئاً مثله لأجل الإتيان به منجماً أو غير ذلك من أحواله.
﴿فأتوا﴾ أي على سبيل التنجيم أو غيره، قال الحرالي : الآتي بالأمر يكون عن مكنة وقوة ﴿بسورة﴾ أي نجم واحد.
قال الحرالي : السورة تمام جملة من المسموع يحيط بمعنى تام بمنزلة إحاطة السور بالمدينة - انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦١
وتفصيل القرآن إلى سور وآيات، لأن الشيء إذا كان جنساً وجعلت له أنواع واشتملت أنواعه على أصناف كان أحسن وأفخم لشأنه وأنبل ولا سيما إذا تلاحقت الأشكال بغرابة الانتظام، وتجاوبت النظائر بحسن الالتيام، وتعانقت الأمثال بالتشابه في تمام الأحكام وجمال الأحكام، وذلك أيضاً أنشط للقارش وأعظم عنده لما يأخذه منه مسمى بآيات معدودة أو سورة معلومة وغير ذلك ﴿من مثله﴾ أي من الكلام الذي يمكنكم أن تدعوا أنه مثل ما نزلنا كما قال :﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ [الإسراء : ٨٨] فإن عبدنا منكم ونشأ بين أظهركم، فهو لا يقدر على أن يأتي بما لا تقدرون على مثله إلا بتأييد منا.
ولما كانوا يستقبحون الكذب قال :﴿وادعوا شهداءكم﴾ أي من تقدرون على دعائه من الموجودين بحضرتكم في بلدتكم أو ما قاربها، والشهيد كما قال الحرالي من يكثر الحضور لديه واستبصاره فيما حضره - انتهى.
﴿من دون الله﴾ أي لينظروا بين الكلامين فيشهدوا بما تؤديهم إليه معرفتهم من
٦٢


الصفحة التالية
Icon