وفي قوله :﴿إن كنتم صادقين﴾ إيماء إلى كذبهم في دعوى الشك فيه، قال الحرالي : والصادق الذي يكون قول لسانه وعمل جوارحه مطابقاً لما احتوى عليه قلبه مما له حقيقة ثابتة بحسبه، وقال : اتسقت آية تنزيل الوحي بآية إنزال الرزق لما كان نزول ما نزل على الرسول المخصص بذلك ينبغي اعتباره بمقابلة نزول الرزق، لأنهما رزقان : أحدهما ظاهر يعم الكافر في نزوله، والآخر وهو الوحي رزق باطن يخص الخاصة بنزوله ويتعين له أيهم أتمهم فطرة وأكملهم ذاتاً ؛ ولم يصلح ن يعم بنزول هذا الرزق الباطن كعموم الظاهر، فتبطل حكمة الاختصاص في الرزقين، فإن نازعهم ريب في الاختصاص فيفرضون أنه عام فيحاولون معارضته، وكما أنهم يشهدون بتمكنهم من الحس عند محاولته عمومه فكذلك يجب أن يشهدوا بعجزهم عن سورة من مثله تحقق اختصاص من نزل عليه به وأجرى ذكره باسم العبودية إعلاماً
٦٣
بوفائه بأنحاء التذلل وإظهاراً لمزية انفراده بذلك دونهم ليظهر به سبب الاختصاص.
وانتظم النون في ﴿نزلنا﴾ من يتنزل بالوحي من روح القدس والروح الأمين ونحو ذلك، لأنهاتقتضي الاستتباع، واقتضت النون في لفظ ﴿عبدنا﴾ ما يظهره النبي ﷺ لهم من الانقياد والاتباع وما اقتضاه خلقه العظيم من خفض الجناح، حتى أنه يوافق من وقع على وجه من الصواب من أمته ﷺ، وحتى أنه يتصف بأوصاف العبد في أكله كما قال :" آكل كما يأكل العبد " انتهى.