ولما كان أكابر المشركين وأغنياؤهم قد وعدوه ﷺ الاتباع إن طرد من تبعه ممن يأنفون من مجالستهم، وزهدوه فيهم بفقرهم وبأنهم غير مخلصين في اتباعه، إنما دعاهم إلى ذلك الحاجة ؛ بين له تعالى أنه لا حظ له في طردهم ولا في اتباع أولئك بهذا الطريق إلا من جهة الدنيا التي هو مبعوث للتنفير عنها، فقال معللاً لما مضى أو
٦٤٢
مستأنفاً :﴿ما عليك﴾ قدم الأهم عنده وهو تحمله ﴿من حسابهم﴾ وأغرق في النفي فقال :﴿من شيء﴾ أي ليس لك إلا ظاهرهم، وليس عليك شيء من حسابهم، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين ﴿وما من حسابك﴾ قدم أهم ما إليه أيضاً ﴿عليهم من شيء﴾ أي وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا عليك فيه على تقدير غشهم، أو ليس عليك من رزقهم شيء فيثقلوا به عليك، ومامن رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم، بل الرازق لك ولهم الله ؛ ثم أجاب النفي مسبباً عنه فقال :﴿فتطردهم﴾ أي فتسبب عن أحد الشيئين طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ؛ والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي ﴿ما عليك من حسابهم﴾ - إلى آخرهما راجعاً إلى آية الكهف ﴿ولا تعد عينك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا﴾ [الكهف : ٢٨] فيكون المعنى ناظراً إلى الرزق، يعني أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر بهم وترغب في الآغنياء، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا عنه، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى ؛ قال صاحب القاموس وغيره : الحساب : الكافي ومنه ﴿عطاء حساباً﴾ [النبأ : ٣٦] وحسّب فلان فلاناً : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي.


الصفحة التالية
Icon