ولما قيل ذلك، فرض أن لسان حالهم قال : فائتنا بهذه البينة! فقال : إن ربي تام القدرة، فلا يخاف الفوت فلا يعجل، وأما أنا فعبد ﴿ما عندي﴾ أي في قدرتي وإمكاني ﴿ما تستعدلون به﴾ أي في قولكم " امطر علنيا حجارة من السماء " ونحوه حتى أحكم فيكم بما يقتضيه طبع البشر من العجلة ﴿إن﴾ أي ما ﴿الحكم﴾ في شيء من الأشياء هذا وغيره ﴿إلا الله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا كفوء له، ثم استأنف قوله مبيناً أنه سبحانه يأتي بالأمر في الوقت الذي حده له على ما هو الأليق به من غير قدرة لأحد غيره على تقديم ولا تأخير فقال :﴿يقضُّ﴾ أي يفصل وينفذ بالتقديم والتأخير، وهو معنى قراءة الحرميين وعاصم " يقص " أي يقطع القضاء أو القصص ﴿لحق﴾ ويظهره فيفصله من الباطل ويوضحه، ليتبعه من قضى بسعادته، ويتنكب عنه من حكم بشقاوته ﴿وهو خير الفاصلين *﴾ لأنه إذا أراد ذلك لم يدع لبساً لمن يريد هدايته، وجعل في ذلك الظاهر سبباً لمن يريد ضلالته ؛ ثم أكد ذلك لمن زاد قلبه في الجلافة مبيناً ما في غيره من وخيم العاقبة فقال :﴿قل لو أن عندي﴾ أي على سبيل الفرض ﴿ما تستعجلون به﴾ أي من العذاب ﴿لقضي﴾ وبناه للمفعول لأن المخوف إنما هو الإهلاك، لا كونه من معين ﴿الأمر بيني وبينكم﴾ أي فكنت أهلك من خالفني غضباً لربي بما ظهر لي منه من التكبر عليه، وقد يكون فيهم مَنْ كُتِبَ في ديوان السعداء، لكنه لم يكن الأمر إليّ لأني لا أعلم الظالم عند الله من غيره، فليس الأمر إلا إلى الله، لأنه أعلم بالمنصفين فينجيهم ﴿والله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿أعلم بالظالمين *﴾ أي المكتوبين في ديوان الظلمة فيهلكهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٤٥


الصفحة التالية
Icon