ولما أمره بما يقول جواباً لتكذيبهم، تقدم إليه فيما يفعل وقت خوضهم في التكذيب فقال :﴿وإذا رأيت﴾ خاطب النبي ﷺ والمراد غيره ليكون أردع ﴿الذين يخوضون﴾ أي يتكلمون ﴿في آياتنا﴾ أي بغير تأمل ولا بصيرة بل طوع الهوى، كما يفعل خائض الماء في وضعه لرجله على غير بصيرة لستر مواضع الخُطأ وبغير تمام الاختيار لغلبة الماء ﴿فأعرض عنهم﴾ بترك المجالسة أو ما يقوم مقامها ؛ ولما كان الخوض في الآيات دالاً على قلة العقل قال :﴿حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ فحكم على حديثهم فميا سوى ذلك أيضاً بالخوض، لأن فيه الغث والسمين، لأنه غير مقيد بنظام الشرع.
ولما كان الله تعالى - وله الحمد - قد رفع حكم النسيان عن هذه الأمة، قال
٦٥٢
مؤكداً :﴿وإما ينسينك الشيطان﴾ أي إنساء عظيماً إشارة إلى أن مثل هذا الأمر جدير بأن لا ينسى ﴿فلا تقعد بعد الذكرى﴾ أي التذكر لهذا النهي ﴿مع القوم الظالمين *﴾ أظهر موضع الإضمار تعميماً ودلالة على الوصف الذي هو سبب الخوض، وهو الكون في الظلام.
ولما كانت هذه الآية مكية، وكانوا إذ ذاك عاجزين عن الإنكار بغير القلب، قال :﴿وما على الذين يتقون﴾ أي يخافون الله فلا يكذبون بىياته في مجالسة الكفرة ﴿من حسابهم﴾ أي الخائضين إذا كانوا أقوى منهم ﴿من شيء﴾ وما نهينا عن المجالسة لأن عليهم فيها - والحالة هذه - إثماً ﴿ولكن﴾ نهينا لتكون المفارقة إظهاراً للكراهة ﴿ذكرى﴾ للخائضين لاستحيائهم من أذى الجليس ﴿لعلهم يتقون *﴾ أي ليكون حالهم بذلك حال من يرجى منه التقوى، فيجتنب الخوض في الآيات إكراماً للجليس.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥٢


الصفحة التالية
Icon