ولما كان التقدير : فقد أمرنا أن نلزمه ونترك كل ما عداه، عطف عليه أمراً عاماً فقال :﴿وأمرنا لنسلم﴾ أي ورد علينا الأمر ممن لا أمر لغيره بكل ما يرضيه لأن نسلم بأن نوقع الإسلام وهو الانقياد التام فنتخلى عن كل هوى، وأن نقيم الصلاة بأن نوقعها بجميع حدودها الظاهرة والباطنة فنتحلى بفعلها أشرف حلى ﴿لرب العالمين *﴾ أي لإحسانه إلى كل أحد بكل شيء خلقه ؛ ثم فسر المأمور به، فكأنه قال : أن أسلموا ﴿وأن أقيموا الصلاة﴾ لوجهه ﴿واتقوه﴾ مع ذلك، أي افعلوها لا على وجه الهزء
٦٥٥
واللعب، بل على وجه التقوى والمراقبة ليدل ما ظهر منها على ما بطن من الإسلام للمحسن.
ولما كان التقدير : فهو الذي ابتدأ خلقكم من طين فإذا أنتم بشر مصورون، وجعلكم أحياء فبقدرته على مدى الأيام تنتشرون، عطف عليه قوله :﴿وهو الذي إليه﴾ أي لا إلى غيره بعد بعثكم من الموت ﴿تحشرون *﴾ فأتى بالبعث الذي هم له منكرون لكثرة ما أقام من الأدلة على تمام القدرة في سياق دال على أنه مما لا مجال للخلاف فيه، وأن النظر إنما هو فيما وراء ذلك، وهو أن عملهم للباطل سوَّغ تنزيلهم منزلة من يعتقد أنه يحشر إلى غيره سبحانه ممن لا قدرة له على جزائهم، فأخبرهم أن الحشر إليه لا إلى غيره، لأنه لا كلام هناك لسواه، فلا علق بين المحشورين ولا تناصر كما في الدنيا، والجملة مع ذلك كالتعليل للأمر بالتقوى، وقد بان أن الآية من الاحتباك، فإنه حذف الصلاة أولاً لدلالة ذكرها ثانياً، والإسلام ثانياً لدلالة ذكره أولاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥٤
ولما كانوا بعبادة غيره تعالى - مع إقرارهم بأنه هو خالق السماوات والأرض - في حال من يعتقد أن ذلك الذي يعبدونه من دونه هو الذي خلقهما، أو شاركاً فيهما.


الصفحة التالية
Icon