ولما كان من المعلوم أن محاجتهم - بعد هذه الأدلة الواضحة في غاية من السقوط - سفلت عن الحضيض، نزه المقام عن ذكرها، إشارة إلى أنها بحيث لا يستحق الذكر، وبين جوابه لما فيه من الفوائد الجمة بقوله :﴿قال﴾ أي بقول منكراً عليهم موبخاً لهم :﴿أتحاجوني﴾ وصرح باسم الرب العلم الأعظم في قوله :﴿في الله﴾ أي شيء مما يختص به المستجمع لصفات الكمال لا سيما التوحيد ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿هدان﴾ أي أرشدني بالدليل القطعي إلى معرفة كل ما يثبت له وينفى عنه، أي لأنه قادر، فبين أنه تعالى قد أحسن إليه، فهو يرجوه لمثل ذلك الإحسان، ويخافه من عواقب العصيان، لأن من رُجي خيره خيف ضيره، ومن كان بيده النفع والضر والهداية والإضلال فهو من وضوح الأمر وظهور الشأن بحيث لا توجه نحوه المحاجة، وأتبعه بيان أن معبوداتهم مسلوب عنها ما يوجه إليه الهمم، فقال عاطفاً على ما تقديره : فأنا أرجوه وأخافه لأنه قادر :﴿ولا أخاف ما تشركون به﴾ ولا أرجوه لهداية ولا إضلال ولا غيرهما لأنه عاجز، فأثبت لله القدرة بالهداية لأنها أشرف، وطوى الإضلال لدلالتها ودلالة ما نفي في جانب الشركاء عليه، وأثبت لآلهتهم العجز بنفي الخوف المستلزم لنفي القدرة على الضر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥٩
وذلك دال على أن الله تعالى أهل لأن يخاف منه.
كل ذلك تلويحاً لهم بأن العاقل لا ينبغي له أن يخالف إلاّ من يأمن ضره، فهم في مخالفتهم لله في غاية من الخطر، لا يرتكبها عاقل، والآية من الاحتباك.
ولما نفى عن نفسه خوف آلهتهم أبداً في الحال والاستقبال، وكان من الأمر البين في الدين الحق أنه لا يصبح الإيمان إلاّ مع الإقرار بخفاء العواقب على العباد وإثبات العلم بها لله تسليماً لمفاتيح الغيب إليه، وقصرها عليه ؛ قال مستثنياً من سبب النفي،
٦٦١


الصفحة التالية
Icon