ولما كان نسبة الإخراج والإبداع إليه سبحانه وحده في مظهر العظمة خصوصاً وعموماً، فعلم أن الكل منه، وصار الحال في حد من الوضوح جدير بأن يؤمن من نسبة شيء إلى غيره لا سيما الذي هم له معالجون، وبالعجز عن إبداعه عالمون، وبدأ بما بدأ به أولاً في آية الفلق من الحب ؛ ثنى بما من النوى، فقال معبراً لذلك الأسلوب :﴿ومن النخل﴾ وتقديم الحب عليه هنا وفيما قبل يدل على أن الزرع أفضل منه، فإنه قوت في أكثر البلاد ولأغلب الحيوانات والغذاء مقدم على الفاكهة ؛ فإنها خلقت من طينة آدم ؛ ثم أبدل مما أجمل من ذلك قوله مبيناً :﴿من طلعها﴾ أي النخل، وهو أول ما يخرج منها في أكمامه ﴿قنوان﴾ جمع قنو، وهو العذق بالكسر للشمراخ وهو الكباسة، والعرجون عوده الذي يكون فيه البسر ﴿دانية﴾ أي قريبة التناول وإن طال أصلها بما علمكم وسهل لكم من صنعة الوصول إليها.
ولما لم يكن لهم من معالجة الأعناب وغيرها ما لهم من معالجة النخيل، عطف على " نبات " منبهاً لهم على أنها - كالنخيل - هو سبحانه المتفرد بإبداعها كما تقدم - فقال :﴿وجنات﴾ أي بساتين ﴿من أعناب﴾ وجمعها لكثرة أنواعها، وبدأ بهاتين الشجرتين لفضلهما كما تقدم على غيرهما، لأن ثمرهما فاكهة وقوت، وقدم الأول لأنهم له أكثر ملابسة، وإن كان العنب أشرف أنواع الفواكه، فإنه ينتفع به من أول ظهوره لأنه أولاً يكون له خيوط خضر دقيقة حامضة لذيذة، ثم تكون الحصرم، وهو طعام شريف للأصحاء والمرضى، وقد يتخذ منه رُبّ الحصرم وأشربة لطيفة المذاق نافعة لأصحاب الصفراء، ويطبخ منه ألذ الأطعمة الحامضة، وهو عنباً ألذ الفواكه وأشهاها،
٦٨٥


الصفحة التالية
Icon