ولما انكشف بهذا في أثناء الأدلة وتضاعيف البراهين أن القرآن كنز لا يلقى مثله كنز، وعز لا يدانيه عز، وأنه في الذروة التي تضاءلت دونها سوابح الأفكار، وكلّت عن التماعها نوافذ الأبصار، وختم بأن المراد بالبيان العلماء، ناسب له أن ينبه على ذلك لئلا يفتر عنه طعنهم بقولهم " دارست " ونحوه، فقال مخصصاً له ﷺ بالخطاب إعلاماً بأنه العالم على الحقيقة :﴿اتبع﴾ أي أنت ومن تبعك ﴿وما أوحي إليك﴾ أي فالزم العمل به ؛ ثم أكد مدحه بقوله :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بهذا البيان ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿لا إله إلا هو﴾ أي فلا يستحق غيره أن يتبع له أمر، ولا يلتفت إليه في نفع ولا ضر ﴿وأعرض عن المشركين *﴾ أي بغير التبليغ، فإنه ما عليك غيره، ومزيد حرصك على إيمانهم لا يزيد من أريدت شقوته إلا تمادياً في إشراكه وارتباكاً في قيود أشراكه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٢
ولما كان الحبيب أسر شيء بما يزيده حبيبه، قال مسلياً له ﷺ عن استهزائهم به وردهم لقوله، عاطفاً على ما تقديره : فلو شاء الله ما خالفوك ولا تكلموا فيك ببنت شفة :﴿ولو شاء الله ما أشركوا﴾ أي ما وقع منهم إشراك أصلاً، فقد أراد لك من الوقوع فيك ما أراده لنفسه، فليكن لك في ذلك مسلاة.
ولما كان التقدير : فإنه سبحانه حفيظ عليهم، عطف عليه قوله :﴿وما جعلناك﴾ أي بعظمتنا، وأشار إلى أن العلو ليس بغير الله سبحانه فقال :﴿عليهم حفيظاً﴾ أي تحفظ أعمالهم لئلا يكون منها ما لا يرضينا فتردهم عنه قسراً ﴿وما أنت﴾ وقدم ما هو أعم من نفي التحقق بالعلو المحيط القاهر الذي هو خاص بالإله فقال :﴿عليهم بوكيل *﴾ أي فتأخذ الحق منهم قهراً، وتعاملهم بما يستحقونه خيراً أو شراً، إنما أنت مبلغ عنا، ثم الأمر في هدايتهم وإضلالهم إلينا.


الصفحة التالية
Icon