ولما قرر أن هذا من باب التربية فعاقبته إلى خير، سبب عنه قطعاً قوله :﴿فذرهم﴾ أي اتركهم على أيّ حالة اتفقت ﴿وما يفترون *﴾ أي يتعمدون كذبه واختلافه، واذكر ما لربك عليك من العاطفة لتعلم أن الذي سلطهم على هذا في غاية الرأفة بك والرحمة لك وحسن التربية كما لا يخفى عليك، فثق به واعلم أن له في هذا لطيف سريرة تدق عن الأفكار، بخلاف الآيات الآتية التي عبر فيها باسم الجلالة، فإنها في عظيم تجرئهم على مقام الإلهية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٦
ولم كان التقدير : ذرهم لتعرض عنهم قلوب الذين يؤمنون بالآخرة وليسخطوه، وليعلموا ما هم له مبصرون وبه عارفون، فترفع بذلك درجاتهم، عطف عليه قوله :﴿ولتصغى﴾ أي تميل ميلاً قوياً تعرض به ﴿إليه﴾ أي كذبهم وما في حيزه ﴿أفئدة﴾ أي قلوب ﴿الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ أي ليس في طبعهم الإيمان بها لأنها غيب، وهم لبلادتهم واقفون مع الوهم، ولذلك استولت عليهم الدنيا التي هي أصل الغرور ﴿وليرضوه﴾ أي بما تمكن من ميلهم إليه ﴿وليقترفوا﴾ أي يفعلوا بجهدهم ﴿ما هم مقترفون *﴾
٦٩٧
وهذه الجمل - كما نبه عليه أبو حيان - على غاية الفصاحة، لأنه أولاً يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضى فيكون فعل الاقتراف، فكأن كل واحد مسبب عما قبله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٦


الصفحة التالية
Icon