على صحة ما أخبر به :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإنزال هذا الكتاب شاهداً لك بإعجازه بالتصديق ﴿هو﴾ أي وحده ﴿أعلم﴾ وكان الموضع للإضمار فأظهر للتعميم والتنبيه على الوصف الذي أوجب لهم ذلك فقالك ﴿بالمعتدين *﴾ أي الذين يتجاوزون الحدود مجتهدين في ذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٠٠
]ولما كان مما يقبل في نفسه في الجملة أن يذكر اسم الله عليه ما يحرم لكونه ملكاً للغير أو فيه شبهة، نهى عنه على وجه يعم غيره، فقال عطفاً على " فكلوا " ﴿وذروا﴾ أي اتركوا على أيّ حالة اتفقت وإن كنتم تظنونها غير صالحة ﴿ظاهر الإثم﴾ أي المعلوم الحرمة من هذا وغيره ﴿وباطنه﴾ من كل ما فيه شبهة من الأقوال والأفعال والعقائد، فإن الله جعل له في القلب علامة، وهو أن يضطرب عنده ولا يسكن كما قال ﷺ :"والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر" - أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الذين يكسبون الإثم﴾ أي ولو بأخفى أنواع الكسب، مبا دل عليه تجريد الفعل، وهو الاعتقاد للاسم الشريف.
ولما كان العاقل من خاف من مطلق الجزاء بني للمفعول قوله ﴿سيجزون﴾ أي بوعد لا خلف فيه ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا﴾ بفاسد جبلاتهم ﴿يقترفون *﴾ أي يكتسبون اكتساباً يوجب الفرق وهو أشد الخوف ويزيل الرفق، وصيغة الافتعال للدلالة على أن أفعال الشر إنما تكون بمعالجة من النفس للفطرة الأولى السليمة.
ولما أمرهم بالأكل مما ينفعهم ويعينهم على شكره محذراً من أكل ما يعيش مرأى بصائرهم، أتبعه نهيهم نهياً جازماً خاصاً عن الأكل مما يضرهم في أبدانهم وأخلاقهم، وهو ما ضاد الأول في خلوه عن الاسم الشريف فقال ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر﴾ أي مما لا يقبل أن يذكر ﴿اسم الله﴾ أي الذي لا يؤخذ شيء إلا منه، لأن له الكمال كله فله
٧٠٣


الصفحة التالية
Icon