ولما كان إيحاء الشياطين إلى أوليائهم مما يوجب لزوم العمى ليس إلاّ تزييناً للقبائح، فكان حالهم مما يشتد العجب منه، كان كأنه قيل : لولا رؤيتنا لحالهم ما صدقنا أن عاقلاً يرضى ما فعلوه بأنفسهم، فهل وقع لأحد قط مثل حالهم ؟ فقيل : نعم ﴿كذلك﴾ أي مثل ما زين لهم سوء أعمالهم ﴿زين للكافرين﴾ أي كلهم ﴿ما كانوا﴾ بما جبلناهم عليه ﴿يعملون *﴾ فهم أبداً في الظلمات، فالآية من الاحتباك : أثبت أولاً كونه في الظلمات دليلاً على تقديره ثانياً، وثانياً التزيين دليلاً على تقديره أولاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٠٣
ولما كان معلوماً أن عداوتهم له ﷺ المشار إليها بقوله ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً﴾ الآية، لا يقوم بها إلا أكابر الناس، لما كان عليه ﷺ من جلالة المنصب وشرف العشيرة وكثرة الأقارب وأنه لا يتمادى عليها إلا جاهل مطموس البصيرة مزين له قبيح أعماله، عطف تعالى على التزيين للكافرين قوله :﴿وكذلك﴾ أي مثل ما زينا للكافرين سوء أعمالهم، فكان أكابر أهل مكة يمكرون فيتبع غيرهم مكرهم ﴿جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة في إقامة الأسباب لما يعلي كلمة الإنسان أو يجعله حقير الشأن ﴿في كل قرية﴾ أي بلد جامع، ولما كان الكبر مختلف الأنواع باختلاف أشخاص المجرمين، طابق بأفعال التفضيل المقصودين لها في الجمع على إحدى اللغتين، وعبر بصيغة منتهى الجمع دلالة على تناهيهم في الكثرة فقال :﴿أكبر مجرميها﴾ أي القاطعين لما ينبغي أن يوصل.


الصفحة التالية
Icon