تضمن قولهم من دعوى التعلم بالحكمة والاعتراض على الله عز وجل :﴿الله﴾ أي بما له من صفات الكمال ﴿أعلم﴾ أي من كل من يمكن منه علم ﴿حيث يجعل﴾ أي يصير بما يسبب من الأمور ﴿رسالته﴾ أي كلها بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الخلق فهو لا يضع شيئاً منها بالتشهي.
ولما كشف هذا النظم عن أنهم اجترؤوا عليه، وأنهم أصروا على أقبح المعاصي الكفر، لا لطلب الدليل بل لداء الحسد ؛ تاقت النفس إلى معرفة ما يحل بهم فقال جواباً :﴿سيصيب﴾ أي بوعد لا خلف فيه، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال :﴿الذين أجرموا﴾ أي قطعوا ما ينبغي أن يوصل ﴿صغار﴾ أي رضى بالذل لعدم الناصر ؛ ولما كان الشيء تعظم بعظمة محله ومن كان منه ذلك الشيء قال :﴿عند الله﴾ أي الجامع لصفات العظمة ﴿وعذاب﴾ أي مع الصغار ﴿شديد﴾ أي في الدنيا بالقتل والخزي وفي لآخرة بالنار ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا يمكرون﴾.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٠٨
ولما تقدم أنه تعالى أعلم بمن طبع على قلبه فلا ينفك عن الضلال، ومن يقبل الهداية في الحال أو المآل، وأن مكر المجرمين إنما هو بإرادته ونافذ قدرته، علم أن الأمر أمره، والقلوب بيده، فتسبب عن ذلك قوله :﴿فمن يرد الله﴾ أي الذي له جميع الجلال والإكرام ﴿أن يهديه﴾ أي يخلق الهداية في قلبه من أكابر المجرمين أو غيرهم ﴿يشرح صدره﴾ أي يوسعه بأن يجعله مهيئاً قابلاً بالنور ﴿للإسلام﴾ قال الإمام أبو جعفر النحاس : روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : يا رسول الله! وهل ينشرح الصدر ؟ فقال : نعم، يدخل القلب نور، فقال : وهل لذلك من علامة ؟ فقال ﷺ :"التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت"، وفي
٧١٠


الصفحة التالية
Icon