ولما كان صاحب هذا الصدر لا يكاد الهداية تصل إليه، وإن وصل غليه شيء منها على لسان واعظ ومن طريق مرشد ناصح لم تجد مسلكاً فنكصت، وهكذا لا تزال في اضطراب وتردد أبداً ؛ كانت ترجمته قوله :﴿كأنما يصعد﴾ أي يتكلف هذا الشخص في قبول الهداية الصعود ﴿في السماء﴾ في خفاء حياء من مزاولة ما لا يمكن، بما أشار إليه قراءة من أدغم التاء في الصاد، فكلما أصعدته حركته الاختيارية أهبطته حركته الطبيعية القسرية، كما نرى بعض الحشرات يحمل شيئاً ثقيلاً ويصعد به في جدار أملس، فيصير يتكلف ذلك فيقع، ثم يتكلف الصعود ايضاً فربما وصل إلى مكانه الأول وسقط، وربما سقط دونه، فهو مما يمتنع عادة، فلا يزال مرتجساً أي مضطرباً ومجامع الاضطراب عقبه بما بعده كما يأتي.
ولما كان ما وصف به صدر الضال مما ينفر منه، وكان الرجس في الأصل لما يستقذر، والمستقذر ينفر منه، وكان هذا الكلام ربما أثار سؤالاً، وهو أن يقال : هل هذا - وهو جعل الضال على هذه الصفة - خاص بأهل هذا الزمان، أجيب بما حاصله : لا، ﴿كذلك﴾ أي مثل ما جعل الله الرجس على من أراد ضلاله من أهل هذا الزمان ﴿يجعل الله﴾
٧١٢
أي بما له من القدرة التامة والعظمة الباهرة ﴿الرجس﴾ أي الاضطراب والقذر ﴿على الذين لا يؤمنون﴾ من أهل كل زمان لإرادته سبحانه دوام ضلالهم، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً الضلال دليلاً على حذفه ثانياً، وذكر الرجس ثانياً دليلاً على حذفه أولاً، والآية نص في أن الله يريد هدى المؤمن وضلال الكافر.


الصفحة التالية
Icon