ولما كان جميع ما في هذا الصراط على منهاج العقل ليس شيء منه خارجاً عنه وإن كان فيه ما لا يستقل بإدراكه العقل، بل لا بد له فيه من إرشاد الهداة من الرسل الآخذين على الله، قال مبيناً لمدحه مرشداً إلى انتظامه مع العقل :﴿قد فصلنا﴾ أي غاية التفصيل بما لنا من العظمة ﴿الآيات﴾ أي كلها فصلاً فصلاً بحيث تميزت تميزاً لا يختلط واحد منها بالآخر ﴿لقوم يذكرون﴾ أي يجهدون أنفسهم في التخلص من شوائب العوائق للعقل من الهوى وغيره - ولو على أدنى وجوه الاجتهاد بما يشير إليه الإدغام - ليذكروا أنه قال : ما من شيء ذكرناه إلاّ وقد أودعنا في عقولهم شاهداً عليه.
ولما كان التذكر - عند الآيات لا يكون إلاّ من أهل العنايات في طرق الهدايات،
٧١٣
قال مرغباً في التذكر فإنه سبب الفيض الإلهي على القلوب المهيأة له :﴿لهم﴾ أي المتذكرين ﴿دار السلام﴾ أي الجنة، أضافها سبحانه إليه زيادة في الترغيب فيها، وخص هذا الاسم الشريف لأنه لا يلم بها شيء من عطب ولا خوف ولا نصب ؛ ثم زاد الترغيب فيها بقوله :﴿عند ربهم﴾ أي في ضمان المحسن إليهم وحضرته بما هيأهم له ويسره لهم ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿وليهم﴾ أي المتكفل بتولي أمورهم، لا يكلهم إلى أحد سواه، وهذا يدل على قربه منهم، والعندية تدل على قربهم منه لما شرح من صدورهم بالتوحيد ؛ ولما كان ذلك ربما قصر على التذكر، بين أن المراد منه التأدية إلى الأعمال فإنها معيار الصدق وميزانه فقال :﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا﴾ أي كما جبلهم عليه، فما كان ذلك إلاّ بفضله ﴿يعلمون﴾.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٠


الصفحة التالية
Icon