ولما كان من المقرر أنه لا تمام لملك من يجب عليه شيء ويلزمه بحيث لا يقدر على الانفكاك عنه، بين سبحانه أن ملكه ليس كذلك، بل هو على غاية الكمال، لا يجب عليه شيء بل كل فعله جميل، وجميع ما يبدو منه حسن، فعلق دوام عذابهم على المشيئة فقال :﴿إلا ما شاء﴾ ولما كان القصد في هذه السورة إلى إظهار العظمة للغيرة على مقام الإلهية، عبر بالاسم الأعظم فقال :﴿الله﴾ أي الذي له رداء الكبر فلا يستطيع أحد أن يعترض عليه ولا أن يهم بذلك، هيهات هيهات! انقطعت دون ذلك الآمال، فطلت ناكسة أعناق الرجال، وبيده إزار العز، فمن اختلج في سره أن يرفع ناكس عنقه ضربه بمقامع الذل، وأنزله في مهاوي الخزي، وقد تقرر أنه سبحانه لا يشاء انقطاع
٧١٥
شيء من ذلك عنهم في حال من الأحوال، ونطق الكتاب بذلك في صرائح الأقوال، وفي سوقه معلقاً هكذا مع ما تقدم زيادة في عذابهم بتعليق رجائهم من انقطاع بلائهم بما لا مطمع فيه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٤
ولما كان في إظهار الجلال في هذا الحال من عظيم الأهوال ما لا يسعه المقال، أتبعه اللطف بالمخاطب به ﷺ فقال :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك برفع أوليائك وخفض أعدائك.
ولما كان السياق - في مثل هذه المقاولة في مجمع الحكم - للحكمة والعلم، وكان النظر إلى الحكمة في تنزيل كل شيء منزلة أعظم، قدم وصفها فقال :﴿حكيم﴾ أي فلا يعذب المخلص ويترك المشرك ولا يعذب بعض من أشرك ويترك بعضاً ﴿عليم *﴾ أي بدقائق الأمور وجلائلها من الفريقين، فلا يخفى عليه عمل أحد فيهمله لذلك.


الصفحة التالية
Icon