ولما كانت مادة " فرق " للفصل عبر بالإنزال الذي لا يدل على التدريج لما تقدم من إرادة الترجمة بالإجمال والتفصيل على غاية الإيجاز لاقتضاء الإعجاز، وجمع الكتابين في إنزال واحد واستجد لكتابنا إنزالاً تنبيهاً على علو رتبته عنهما بمقدار علو رتبه المتقين الذين هو هدى لهم، وبتقواهم يكون لهم فرقان على رتبة الناس الذين هما هدى لهم فقال تعالى :﴿وأنزل الفرقان﴾ أي الكتاب المصاحب للعز الذي يكسب صاحبه قوة التصرف فيما يريد من الفصل والوصل الذي هو وظيفه السادة المرجوع إليهم عند الملمات، المقترن بالمعجزات الفارقة بين الحق والباطل، وسترى هذا المعنى إن شاء الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال بأوضح من هذا ؛ فعل ذبك لينفذ قائله أمر الكتاب المقرر فيه الشرع الحق المباين لجميع الملل الباطلة والأهواء المضلة والنحل الفاسدة، وذلك هو روح النصر على أعداء الله المرشد إلى الدعاء به ختام البقرة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣
قال الحرالي : فكان الفرقان جامعاً لمنزل ظاهر التوراة ومنزل باطن الإنجيل جمعاً يبدي ما وراء منزلهما بحكم استناده للتقوى التي هي تهيؤ لتنزل الكتاب ﴿أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا﴾ [ الانفال : ٢٩] فكان الفرقان أقرب الكتب للكتاب الجامع، فصار التنزيل في ثلاث رتب : رتبة الكتاب المنزل بالحق الجامع، ثم رتبة الفرقان المظهر لمحل الجمع
بين الظاهر والباطن، ثم منزل التوراة والإنجيل المختفي فيه موضع ظاهر التوراة بباطن الإنجيل انتهى.