وقال ابن الزبير ما حاصله : إن اتصالها بسورة البقرة ـ والله سبحانه وتعالى أعلم ـ من جهات : إحداها ما تبين في صدر السورة مما هو إحالة على ما ضمن في سورة البقرة بأسرها، ثانيها الإشارة في صدر السورة أيضاً إلى أن الصراط المستقيم قد تبين شأنه لمن تقدم في كتبهم، فإن هذا الكتاب جاء مصدقاً لما نزل نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه، فهو بيان لحال الكتاب الذي هو هدى للمتقين، ولما بين افتراق الأمم بحسب السابقة إلى أصناف ثلاثة، وذكر من تعنت بني إسرائيل وتوقفهم ما تقدم أخبر سبحانه وتعالى هنا أنه أنزل عليهم التوراة، وأنزل بعدها الإنجيل، وأن كل ذلك هدى لمن وفق، إعلاماً منه سبحانه وتعالى لأمه محمد أن من تقدمهم قد بين لهم ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ [الإسراء : ١٥] ؛ والثالثة قصة عيسى عليه الصلاة والسلام وابتداء أمره من غير أب والاعتبار به نظير الاعتبار بآدم عليه الصلاة والسلام ولهذا أشار قوله سبحانه وتعالى ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾ [ آل عمران ٥٩] ـ انتهى.
١٠
ولما علم بذلك أمر القيوم سبحانه وتعالى بالحق وهو الإيمان علم أن لمخالفي أمره من أضداد المؤمنين الموصوفين ـ وهم الكفرة المدعو بخذلانهم المنزل الفرقان لمحو أديانهم ـ الويل والثبور، فاتصل بذلك بقوله :﴿إن الذين كفروا﴾ أي غطوا ما دلتهم عليه الفطرة الأولى التي فطرهم الله سبحانه وتعالى عليها، ثم ما بينت لهم الرسل عليهم الصلاة والسلام عنه سبحانه وتعالى من البيان الذي لا لبس معه ﴿بآيت الله﴾ المستجمع لصفات الكمال إقبالاً منهم على ما ليس له أصلاً صفة كمال، وهذا الكفرـ كما قال الحرالي ـ دون الكفر بأسماء الله الذي هو دون الكفر بالله، قال : فكما بدأ خطاب التنزيل من أعلاه نظم به ابتداء الكفر من أدناه ـ انتهى.
﴿لهم عذاب شديد﴾ كما تقتضيه صفتا العزة والنقمة، وفي وصفه بالشدة إيذان بأن من كفر دون هذا الكفر كان له مطلق العذاب.