ولما قرر سبحانه وتعالى شمول علمه أتبعه دليله من تمام قدرته فقال : ـ وقال الحرالي : ولما كان كل تفصيل يتقدمه بالرتبة مجمل جامع، وكانت تراجم السورة موضع الإجمال ليكون تفصيلها موضع التفاصيل، وكان من المذكور في سورة الكتاب ما وقع من اللبس كذلك كان في هذه السورة التي ترجمها جوامع إلهية ما وقع من اللبس في أمر الإلهية في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فكان في هذه الآيه الجامعة توطئة لبيان الأمر في شأنه عليه لسلام من حيث إنه مما صور في الرحم وحملته الأنثى ووضعته، وأن جميع ما حوته السماء والأرض لا ينبغي أن يقع فيه لبس في أمر الإلهية ؛ انتهى ـ فقال مبيناً أمر قدرته بما لا يقدر عليه عيسى عليه الصلاة والسلام ولا غيره :﴿هو﴾ أي وحده ﴿الذي﴾ وقرعهم بصرف القول من الغيبه إلى الخطاب ليعظم تنبههم على ما هم فيه من قهر المصور لهم على ما أوجدهم عليه مما يشتهونه ولا يفقهونه فقال :﴿يصوركم﴾ أي أن كنتم نطفاً من التصوير وهو إقامه الصورة.
وهي تمام البادي التي يقع عليها حس الناظر لظهورها، فصورة كل شيء تمام بدوه ـ قال الحرالي :﴿في الأرحام﴾ أي التي لا اطلاع لكم عليها بوجه، ولما كان التصوير في نفسه أمراً معجباً وشيناً للعقل إذا تأمله وإن كان قد هان لكثرة الإلف باهراً فكيف بأحواله المتباينه وأشكاله المتخالفة المتباينة أشار إلى التعجب من أمره وجليل سره بآله الاستفهام وإن قالوا : إنها في هذا الوطن شرط، فقال :﴿كيف﴾ أي كما ﴿يشاء﴾ أي على أي حالة أراد، سواء عنده كونكم من نطفتي ذكر وأنثى أو نطفة أنثى وحدها دليلاً على كمال العلم والقيومية، وإيماء إلى أن من صور في الأرحام كغيره من العبيد لا يكون إلا عبداً،
١٣
إذ الإله متعال عن ذلك لما فيه من أنواع الاحتياج والنقص.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣


الصفحة التالية
Icon