ولما وقع الأمر بذلك كان ربما أبى المتخلق بالإسلام قبول ما تسمح به المرأة منه بإبراء أو رد على سبيل الهبة - لظنه أن ذلك لا يجوز أن غير ذلك فقال :﴿فإن طبن لكم﴾ أي متجاوزات ﴿عن شيء﴾ ووحّد الضمير ليرجع إلى الصداق المفهوم من الصدقات، ولم يقل : منها، لئلا يظن أن الموهوب لا يجوز إلا إن كان صداقاً كاملاً فقال :﴿منه﴾ أي الصداق ﴿نفساً﴾ أي عن شهوة صادقة من غير إكراه ولا خديعة ﴿فكلوه﴾ أي تصرفوا فيه بكل تصرف يخصكم ﴿هنيئاً﴾ أي سائغاً صالحاً لذيذاً في عافية بلا مشقة ولا مضرة ﴿مرئياً *﴾ أي جيد المغبة بهجا ساراً، لا تنغيص فيه، وربما كان ابتعيض ندباً إلى التعفف عن قبول الكل، لأنه في الغالب لا يكون إلا عن خداع أو ضجر فربما أعقب الندم، وهذا الكلام يدل أيضاً على تخصيص الأحرار دون العبيد، لأنهم لا يملكون ماجعلته النساء لهم ليأكلوه هنيئاً.
قال الأصبهاني : فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم أنها لم تطب نفسها، وعن الشعبي ان رجلاً أتى مع امرأته شريحاً في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح : رد عليها، فقال الرجل : أليس قد قال الله تعالى :﴿فإن طبن لكم﴾ [النساء : ٤] قال : لو طابت نفسها لما رجعت فيه ؛ وعنه قال : أقيلها فيما وهبت ولا أقيله، لأنهن يخدعن.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٤